Saturday, July 21, 2007
مهرجان العالم العربي الثاني في مونتريال
مهرجان العالم العربي الثاني في مونتريال حاز على ضجة إعلامية كبيرة، حيث حضره رئيس حكومة كيبيك، ووزراء، وأعضاء برلمان، وممثلة الرئيس الكندي السيد كريتيان.
كلمات الإفتتاح كانت كثيرة نذكر منها كلمة رئيس حكومة كيبيك السيد برنارد لاندري Bernard Landry، وكلمة ممثلة رئيس الحكومة الكندية السيد جان كريتيان Jean Chretien والوزيرات والوزراء منهم وزيرة شؤون البلديات النشطة ذات الشعبية الواسعة السيدة لويز آريل Louise Harel، ورئيس الحزب الليبرالي في كيبيك جان شاريه، وعضوة البرلمان الكيبيكي عن الحزب اللبيرالي في كيبيك السيدة فاطمه هدى Fatima Houda-Pepin، ورئيس بلدية مونتريال السيد بيار بورك Pierre Bourque .
كانت الكلمات بما فيها كلمة عميد السلك الدبلوماسي العربي السيد عبد القادر لشهب، سفير المغرب في العاصمة أتاوا، بمثابة رسالة سياسية خاصة وداعمة للجاليات العربية المقيمة على أرض كيبيك. رسالة سياسية باسم الجاليات العربية موجهة الى شعوب العالم خاصة كندا وأمريكا التي أجمعت على أن أحداث 11 سبتمبر المؤلمة وما تلاها من ويلات الحرب الأفغانية، يحثنا أكثر على التمسك بالمبادئ والقيم العربية إسلامية أو مسيحية والتي أجمع الكل على أنها ذات طبيعة سمحة وتحث على سلوك درب المحبة والإخاء، والأمانة والصدق في التعامل وفي الألفاظ، " أحبوا لغيركم كما تحبوا لأنفسكم" أجل لقد حثتنا الأديان السماوية كلها على المحبة والسلام ونبذ العنف منذ الأزل.
هذه المباديء السمحة والصافية والتقاليد العربية الطيبة التي نشأنا عليها، يجب التمسك بها إذا أردنا أن نكون قوة هامة في المهجر الكندي بعامة، وكيبيك بخاصة، حيث يعيش فيها حوالي الربع مليون من الجاليات العربية والمسلمة، والتي أصبحت تهتم بالإنتخابات بعد أن نجح مستشار بورك للشؤون العربية، في جمع شملهم من أجل دعم حملة السيد بورك في الإنتخابات، والتي وللأسف الشديد لم ينجح فيها السيد بورك، ولكن الجاليات العربية والإسلامية نجحت في أن يصبح لها اسما بعد أن توحدت كلمتها لأول مرة. أما السيد بورك فنحن على قناعة تامة بأنه الأفضل، لأن مونتريال في قلبه، قدم لها عصارة روحه، خسر بورك وآلمتنا خسارته، ولكن رؤيته نجحت لتصبح جزيرة مونتريال مدينة واحدة. وكما عهدناه سيعود ثانية لترأس المعارضة، وهذا بالتالي سيقود الجميع بما فيهم الرئيس المنتخب ترمبلي وفريقه لبذل أقصى جهودهم وهذا كله سينصب لصالح سكان مدينة مونتريال الموحدة. نعود لافتتاح مهرجان العالم العربي الثاني، لقد كانت الكلمات التي ألقيت واعدة وواعية لمجرى الأحداث، وركزت على المبادئ العامة التي تفرض المساواة والعدل والحقوق المتساوية بين جميع سكان المهجر الكندي، بل أجمعت الكلمات على أن المساواة بين سكان كندا هي دستور أساسي للمحافظة على أمن وسلامة هذا البلد المتعدد الثقافات والذي ميز مقاطعة كيبيك بخاصة، وكندا بعامة، عن بقية سكان العالم بالغنى الثقافي والتواصل التراثي الذي أصبح جزء لا بتجزأ من تراث كندا. توحدت كلمات الإفتتاح حول العمل على صيانة الثقافات المتعددة وعلى رأسها الجاليات العربية دون النظر الى أصولهم الدينية أو العرقية، بل دعت الكلمات الى المساواة التامة بين جميع الثقافات، وأكدت على دعمها لها لأنها تغني الثقافة العامة بشكل كبير .
حفل الإفتتاح حظي بكلمات تستحق الإعجاب، لأنها كانت على مستوى الأحداث المؤلمة التي يتعرض لها العالم برمتة خاصة الشعب الأفغاني الذي يعيش حربا شرسة منذ أكثر من شهر، هذه الحرب القاسية طالت الشعب الأفغاني برمته بحجة الوصول الى شخص واحد اعتبروه المسؤول عن أحداث 11 سبتمبر المؤلمة في نيويورك، دون أن يتأكدوا هل هو حقا المتسبب لهذه المأساة؟ ودون أية تساؤل لماذا حصل هذا الأمر المفجع، ولأن أصابع الإتهام اتجهت فورا الى أسامه بن لادن، أثر ذلك بشكل سلبي على كل عربي يعيش في أمريكا الشمالية، نتج عنها أعمال فردية لكن المسؤولين ردعوا هذه الأعمال فور حدوثها.
أما السيدة فاطمة هدى، النائبة في الحكومة الكيبيكية عن الحزب الليبرالي، فقد كانت وردة الحفل ورئيسته الفخرية، ولقد أحسنت وأجادت عندما استخدمت اللغتين العربية والفرنسية، وكان لكلمتها طعم خاص ونكهة عربية أصيلة ممتزجة بلهجة وطننا الجديد مونتريال كيبيك، تكلمت بالفرنسية عن أصالتنا العربية وتسامح أدياننا الإسلامية والمسيحية، كانت كلمة هادفة وضعت نصب العين والقلب هذا الإحتفال الخاص في مكان يليق به، والتي عرفنا من خلالها بأننا نحتفل بمهرجانا عربيا خاصا.
أما الفنان العظيم مرسيل خليفه فقد كان طل علينا كضوء القمر وكان نجما بلا منازع، هذا الرجل الذي ساهم في تعريف الشعوب العربية بكلمات شعراء الأرض المحتلة منذ أواسط السبعينات عندما جسدها أغان وطنية شفافة وصادقة، وبقي مرسيل كبيرا وزاخرا بالتزامه الوطني وعطاءة الفني الذي انتشر في بقاع الأرض بفضل إخلاصه لمبادئه القومية والفنية، والتي تصاعد مستواها وتميز مع كل عمل فني جديد. لقد أتحفنا بأغنية "محمد" رمزا للشهيد الملاك "محمد الدرة" الذي استشهد وهو يحلم بالدراجة والمدرسه. أطل حزن عميق من عيون الفنان مرسيل وهو يغني للشهيد محمد رمز شهداء انتفاضة الأقصي التي دخلت عامها الثاني ولم تتخاذل، رغم شراسة العدو، هذا الحزن الذي طل من عيون مرسيل أعادني لسنوات طويلة مضت عندما قابلت هذا الفنان لأول مرة في مدينة بيروت الباسلة حيث كنت أشارك بإحدى المؤتمرات التي كانت تزخر بها بيروت التي كانت منبر الحرية والديمقراطية في العالم العربي. عرفني به شاعر وصديق، وضرب لي موعدا معه، كان ذلك عام 1981 . ذهبت الى منزله لعمل لقاء أو سبقا صحفيا معه، كانت فرقة الميادين معه يتدربون على عمل جديد، رغم ذلك اقتطع من وقته لحديث ينشر لأول مرة له في صحيفة كويتية. وبعد أن انتهى اللقاء الصحفي سالني: "هل أنت متأكدة بأنك ستنشرين هذا اللقاء في صحيفة كويتية" قلت له طبعا سأنشرة في صحيفة الوطن الكويتية، وهي صحيفة عروبية، تسائل مندهشا " كيف سيسمحوا لك بنشر لقاء معي وهم "أي الحكومات الخليجية" تمنعني من زيارة بلادها، ولا تسمح لإذاعة أغاني الوطنية في محطاتها الإذاعية" أجبته بأنه سيأتي اليوم الذي سوف يزور فيه الكويت. وقد جاء هذا اليوم فعلا بعد سبع سنوات من نشر اللقاء الصحفي الأول في صحيفة كويتية وخليجية، كان ذلك عندما اشتعلت الإنتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987، عندها تداعت المرأة الفلسطينية والكويتية والعربية في الكويت لدعم هذه الإنتفاضة المباركة "انتفاضة أطفال الحجارة" وجمع التبرعات لها، وطلبنا الإذن باستضافة الفنان مرسيل خليفه الذي تبرع بريع الحفل للإنتفاضة، كان حفلا هائلا... أعادته الذاكرة إلى مخيلتي وهو يغني للشهيد محمد.
أذكر أنني دعيت لحفلته التي أقيمت في الكويت أصدقاء كنديين يعمل الزوج في الكويت، وكان لهم تعقيبا على أداء مرسيل رغم أنهم لم يفهموا كلمات الأغنية للشاعرعز الدين المناصرة الذي أنشد له شهيرته، " منتصب القامة أمشي، مرفوع الهامة أمشي، في كفي قصعة زيتون وعلى كتفي نعشي، وأنا وأنا وأنا أمشي".
أتعرفون ماذا كان رأي أصدقائنا الكنديين، " لو بقى هذا الرجل ثلاثة أيام يغني في الكويت من المؤكد أنه سيشعل الروح الثورية في شعبها"
نعود ثانية لمهرجان العالم العربي الذي أحيا الحنين لذكريات حنونة وساخنة. بدأ العرض بفرقة جزائرية بقيادة الفنان عبد المجيد حيث قدم أغاني تراثية، ثم تلتها فرقة الأرز اللبنانية، ثم أغنية من فنانة كيبيكية، وعرضا تعبيريا جميلا لفنانتين تونسية وأخرى كيبيكية، وعزف خاص على البيانو لفنانة لبنانية من أصل أرمني، ثم رقصة شرقية لفنانة كيبيكية.
وبعد أن انتهى العرض الرسمي وغادر الضيوف والجمهور المسرح، امتلأ ثانية بجمهور كان ينتظر في الخارج وفي أروقة المسرح، وبدأت العروض الأخرى، منها العرس الفلسطيني التقليدي والذي تميز بالأهازيج والزغاريد الشعبية وجسدت الدبكة الفلسطينية تراث هذا الشعب الباسل والمناضل، تلاه العرس اللبناني الذي تميز بالبهجة والفرح، ثم لوحة تعبيرية فنية جميلة لمدام عزيزة مديرة ومؤسسة أول ستوديو لتعليم الرقص الشعبي التونسي، وللحق أقول أن العرض التونسي تميز بالتراث الأندلسي العريق الذي ورثت بلاد المغرب العربي ومنها تونس، ثقافته العريقة الممتدة إلى عبق التاريخ الخالد.
هذا وعلى الرغم من بعض السلبيات الصغيرة التي سببت تنغيصا لبعض المشاركين، إلا أن المهرجان استطاع أن يثبت بأننا قوة عربية لا يستهان بها، وأن لنا ثقافة متميزة، وتراثا عربيا عريقا يناهض الثقافات الأخرى، بل يتفوق عليها لأنه نابع من حضارات ضاربة في عمق التاريخ العربي والإسلامي.
أهنيء القائمون على مهرجان العالم العربي، وأهنيء أيضا الأشخاص والمؤسسات الذين قدموا لوحات تراثية وفنية جميلة لبلادهم، وأخص بالذكر اللوحات العربية من فلسطين وتونس ولبنان، لقد بذلوا جهدا كبيرا وقدموا لنا عملا نفخر به. كان من المنصف لو أتيحت لهم الفرصة أن يشاهد عروضهم هذه المسؤولين وكبار المدعووين، صحيح أن كلمات المسؤولين أخذت وقتا ولا أعتقد بأن زيادة عشر دقائق أو أكثر ستقلل من مجرى هذا الحدث العظيم، بل كانت ستغني هذا العمل التراثي والثقافي العربي الهام.
لقد كانت الدعوة للإفتتاح الرسمي عامة وهذا شيء جميل، إلا أنه ترك الناس الذين زاد عددهم على سعة القاعة ينتظرون خارج المسرح لفترة قاربت الساعتين وهذا في الحقيقة يسيء للعمل برمته، وأعتقد أنه من المطلوب مستقبلا إيجاد مكان أوسع وأرحب للإحتفال القادم، حتى يتمكن أكبر عدد من أفراد الجاليات العربية من التواجد، كما يجب العمل على زيادة دعم قدرة المشاركين في هذا المهرجان والمهتمين بابراز تراث بلادهم، وذلك من خلال تصعيد مقدرتهم الفنية، وابراز ثقافتهم وتعريفها للمسؤولين والشعب الكيبيكي بخاصة، والثقافات المتعددة في كيبيك بعامة. أو توجه دعوات خاصة لحفل الإفتتاح تناسب حجم تناسب إمكانيات المسرح المتوفر، على أن يكون حفل الإفتتاح شاملا لكل المشاركين لتعم الفائدة، وحتى لا يغيب جهدهم عن أنظار المسؤولين، وكبار المدعووين.
لقد أصبح لزاما علينا كعرب نعيش في مونتريال خلق كيانات ثقافية وتراثية عربية محلية خاصة من أجيالنا الناشئة، لإنهم ثروتنا الثقافية، وأملنا في امتداد هذه الثقافة لكل الأجيال القادمة، وذلك من خلال النشاطات الثقافية والتراثية، والتمسك بثقافتنا العربية وتراثنا الأصيل، ومشاركة هذه الفئة العربية النيرة من الناشئة في كل حدث ثقافي، وتعويدهم على تحمل مسؤولية تراث بلادهم، وإنصافهم من خلال تسليط الضوء على هذه الإنجازات الرائعة. كل هذا سيساهم في خلق جالية ثقافية عربية متميزة وقادرة على التفوق والإبداع، لأن الشبيبة هم البوتقة التي تصهر نفسها وتتوهج من أجل أن يتوهج الوطن العربي في المهجر ضمن النشاطات الثقافية،في وطن الثقافات المتعددة.
وفي الختام أتقدم بالشكر للسيد جوزيف نخله رئيس المهرجان، ولكل أعضاء لجنة مهرجان العالم العربي، ولكل جالية عربية وغير عربية ساهمت في إغناء هذا البرنامج الثقافي الحافل، داعية للجميع بالتوفيق والسؤدد في نشر الثقافة العربية بالطريقة التي تليق بهذا التراث العربي الأصيل والعظيم.
مونتريال،
نوفمبر 2001
-----------------------------------------------------
ملاحظة: الرجاء من القائمين على صحيفة المستقبل إذا ارتأوا نشر هذا المقال أن لا يشطبوا صفتي الإعتبارية ككاتبة وصحفية ورئيسة بيت تراث العرب في كندا، كما حصل في المقال الذي نشر بصحيفتكم الغراء بتاريخ 13/10/2001، والمتعلق بانتخابات بلدية مونتريال مع الشكر.
كلمات الإفتتاح كانت كثيرة نذكر منها كلمة رئيس حكومة كيبيك السيد برنارد لاندري Bernard Landry، وكلمة ممثلة رئيس الحكومة الكندية السيد جان كريتيان Jean Chretien والوزيرات والوزراء منهم وزيرة شؤون البلديات النشطة ذات الشعبية الواسعة السيدة لويز آريل Louise Harel، ورئيس الحزب الليبرالي في كيبيك جان شاريه، وعضوة البرلمان الكيبيكي عن الحزب اللبيرالي في كيبيك السيدة فاطمه هدى Fatima Houda-Pepin، ورئيس بلدية مونتريال السيد بيار بورك Pierre Bourque .
كانت الكلمات بما فيها كلمة عميد السلك الدبلوماسي العربي السيد عبد القادر لشهب، سفير المغرب في العاصمة أتاوا، بمثابة رسالة سياسية خاصة وداعمة للجاليات العربية المقيمة على أرض كيبيك. رسالة سياسية باسم الجاليات العربية موجهة الى شعوب العالم خاصة كندا وأمريكا التي أجمعت على أن أحداث 11 سبتمبر المؤلمة وما تلاها من ويلات الحرب الأفغانية، يحثنا أكثر على التمسك بالمبادئ والقيم العربية إسلامية أو مسيحية والتي أجمع الكل على أنها ذات طبيعة سمحة وتحث على سلوك درب المحبة والإخاء، والأمانة والصدق في التعامل وفي الألفاظ، " أحبوا لغيركم كما تحبوا لأنفسكم" أجل لقد حثتنا الأديان السماوية كلها على المحبة والسلام ونبذ العنف منذ الأزل.
هذه المباديء السمحة والصافية والتقاليد العربية الطيبة التي نشأنا عليها، يجب التمسك بها إذا أردنا أن نكون قوة هامة في المهجر الكندي بعامة، وكيبيك بخاصة، حيث يعيش فيها حوالي الربع مليون من الجاليات العربية والمسلمة، والتي أصبحت تهتم بالإنتخابات بعد أن نجح مستشار بورك للشؤون العربية، في جمع شملهم من أجل دعم حملة السيد بورك في الإنتخابات، والتي وللأسف الشديد لم ينجح فيها السيد بورك، ولكن الجاليات العربية والإسلامية نجحت في أن يصبح لها اسما بعد أن توحدت كلمتها لأول مرة. أما السيد بورك فنحن على قناعة تامة بأنه الأفضل، لأن مونتريال في قلبه، قدم لها عصارة روحه، خسر بورك وآلمتنا خسارته، ولكن رؤيته نجحت لتصبح جزيرة مونتريال مدينة واحدة. وكما عهدناه سيعود ثانية لترأس المعارضة، وهذا بالتالي سيقود الجميع بما فيهم الرئيس المنتخب ترمبلي وفريقه لبذل أقصى جهودهم وهذا كله سينصب لصالح سكان مدينة مونتريال الموحدة. نعود لافتتاح مهرجان العالم العربي الثاني، لقد كانت الكلمات التي ألقيت واعدة وواعية لمجرى الأحداث، وركزت على المبادئ العامة التي تفرض المساواة والعدل والحقوق المتساوية بين جميع سكان المهجر الكندي، بل أجمعت الكلمات على أن المساواة بين سكان كندا هي دستور أساسي للمحافظة على أمن وسلامة هذا البلد المتعدد الثقافات والذي ميز مقاطعة كيبيك بخاصة، وكندا بعامة، عن بقية سكان العالم بالغنى الثقافي والتواصل التراثي الذي أصبح جزء لا بتجزأ من تراث كندا. توحدت كلمات الإفتتاح حول العمل على صيانة الثقافات المتعددة وعلى رأسها الجاليات العربية دون النظر الى أصولهم الدينية أو العرقية، بل دعت الكلمات الى المساواة التامة بين جميع الثقافات، وأكدت على دعمها لها لأنها تغني الثقافة العامة بشكل كبير .
حفل الإفتتاح حظي بكلمات تستحق الإعجاب، لأنها كانت على مستوى الأحداث المؤلمة التي يتعرض لها العالم برمتة خاصة الشعب الأفغاني الذي يعيش حربا شرسة منذ أكثر من شهر، هذه الحرب القاسية طالت الشعب الأفغاني برمته بحجة الوصول الى شخص واحد اعتبروه المسؤول عن أحداث 11 سبتمبر المؤلمة في نيويورك، دون أن يتأكدوا هل هو حقا المتسبب لهذه المأساة؟ ودون أية تساؤل لماذا حصل هذا الأمر المفجع، ولأن أصابع الإتهام اتجهت فورا الى أسامه بن لادن، أثر ذلك بشكل سلبي على كل عربي يعيش في أمريكا الشمالية، نتج عنها أعمال فردية لكن المسؤولين ردعوا هذه الأعمال فور حدوثها.
أما السيدة فاطمة هدى، النائبة في الحكومة الكيبيكية عن الحزب الليبرالي، فقد كانت وردة الحفل ورئيسته الفخرية، ولقد أحسنت وأجادت عندما استخدمت اللغتين العربية والفرنسية، وكان لكلمتها طعم خاص ونكهة عربية أصيلة ممتزجة بلهجة وطننا الجديد مونتريال كيبيك، تكلمت بالفرنسية عن أصالتنا العربية وتسامح أدياننا الإسلامية والمسيحية، كانت كلمة هادفة وضعت نصب العين والقلب هذا الإحتفال الخاص في مكان يليق به، والتي عرفنا من خلالها بأننا نحتفل بمهرجانا عربيا خاصا.
أما الفنان العظيم مرسيل خليفه فقد كان طل علينا كضوء القمر وكان نجما بلا منازع، هذا الرجل الذي ساهم في تعريف الشعوب العربية بكلمات شعراء الأرض المحتلة منذ أواسط السبعينات عندما جسدها أغان وطنية شفافة وصادقة، وبقي مرسيل كبيرا وزاخرا بالتزامه الوطني وعطاءة الفني الذي انتشر في بقاع الأرض بفضل إخلاصه لمبادئه القومية والفنية، والتي تصاعد مستواها وتميز مع كل عمل فني جديد. لقد أتحفنا بأغنية "محمد" رمزا للشهيد الملاك "محمد الدرة" الذي استشهد وهو يحلم بالدراجة والمدرسه. أطل حزن عميق من عيون الفنان مرسيل وهو يغني للشهيد محمد رمز شهداء انتفاضة الأقصي التي دخلت عامها الثاني ولم تتخاذل، رغم شراسة العدو، هذا الحزن الذي طل من عيون مرسيل أعادني لسنوات طويلة مضت عندما قابلت هذا الفنان لأول مرة في مدينة بيروت الباسلة حيث كنت أشارك بإحدى المؤتمرات التي كانت تزخر بها بيروت التي كانت منبر الحرية والديمقراطية في العالم العربي. عرفني به شاعر وصديق، وضرب لي موعدا معه، كان ذلك عام 1981 . ذهبت الى منزله لعمل لقاء أو سبقا صحفيا معه، كانت فرقة الميادين معه يتدربون على عمل جديد، رغم ذلك اقتطع من وقته لحديث ينشر لأول مرة له في صحيفة كويتية. وبعد أن انتهى اللقاء الصحفي سالني: "هل أنت متأكدة بأنك ستنشرين هذا اللقاء في صحيفة كويتية" قلت له طبعا سأنشرة في صحيفة الوطن الكويتية، وهي صحيفة عروبية، تسائل مندهشا " كيف سيسمحوا لك بنشر لقاء معي وهم "أي الحكومات الخليجية" تمنعني من زيارة بلادها، ولا تسمح لإذاعة أغاني الوطنية في محطاتها الإذاعية" أجبته بأنه سيأتي اليوم الذي سوف يزور فيه الكويت. وقد جاء هذا اليوم فعلا بعد سبع سنوات من نشر اللقاء الصحفي الأول في صحيفة كويتية وخليجية، كان ذلك عندما اشتعلت الإنتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987، عندها تداعت المرأة الفلسطينية والكويتية والعربية في الكويت لدعم هذه الإنتفاضة المباركة "انتفاضة أطفال الحجارة" وجمع التبرعات لها، وطلبنا الإذن باستضافة الفنان مرسيل خليفه الذي تبرع بريع الحفل للإنتفاضة، كان حفلا هائلا... أعادته الذاكرة إلى مخيلتي وهو يغني للشهيد محمد.
أذكر أنني دعيت لحفلته التي أقيمت في الكويت أصدقاء كنديين يعمل الزوج في الكويت، وكان لهم تعقيبا على أداء مرسيل رغم أنهم لم يفهموا كلمات الأغنية للشاعرعز الدين المناصرة الذي أنشد له شهيرته، " منتصب القامة أمشي، مرفوع الهامة أمشي، في كفي قصعة زيتون وعلى كتفي نعشي، وأنا وأنا وأنا أمشي".
أتعرفون ماذا كان رأي أصدقائنا الكنديين، " لو بقى هذا الرجل ثلاثة أيام يغني في الكويت من المؤكد أنه سيشعل الروح الثورية في شعبها"
نعود ثانية لمهرجان العالم العربي الذي أحيا الحنين لذكريات حنونة وساخنة. بدأ العرض بفرقة جزائرية بقيادة الفنان عبد المجيد حيث قدم أغاني تراثية، ثم تلتها فرقة الأرز اللبنانية، ثم أغنية من فنانة كيبيكية، وعرضا تعبيريا جميلا لفنانتين تونسية وأخرى كيبيكية، وعزف خاص على البيانو لفنانة لبنانية من أصل أرمني، ثم رقصة شرقية لفنانة كيبيكية.
وبعد أن انتهى العرض الرسمي وغادر الضيوف والجمهور المسرح، امتلأ ثانية بجمهور كان ينتظر في الخارج وفي أروقة المسرح، وبدأت العروض الأخرى، منها العرس الفلسطيني التقليدي والذي تميز بالأهازيج والزغاريد الشعبية وجسدت الدبكة الفلسطينية تراث هذا الشعب الباسل والمناضل، تلاه العرس اللبناني الذي تميز بالبهجة والفرح، ثم لوحة تعبيرية فنية جميلة لمدام عزيزة مديرة ومؤسسة أول ستوديو لتعليم الرقص الشعبي التونسي، وللحق أقول أن العرض التونسي تميز بالتراث الأندلسي العريق الذي ورثت بلاد المغرب العربي ومنها تونس، ثقافته العريقة الممتدة إلى عبق التاريخ الخالد.
هذا وعلى الرغم من بعض السلبيات الصغيرة التي سببت تنغيصا لبعض المشاركين، إلا أن المهرجان استطاع أن يثبت بأننا قوة عربية لا يستهان بها، وأن لنا ثقافة متميزة، وتراثا عربيا عريقا يناهض الثقافات الأخرى، بل يتفوق عليها لأنه نابع من حضارات ضاربة في عمق التاريخ العربي والإسلامي.
أهنيء القائمون على مهرجان العالم العربي، وأهنيء أيضا الأشخاص والمؤسسات الذين قدموا لوحات تراثية وفنية جميلة لبلادهم، وأخص بالذكر اللوحات العربية من فلسطين وتونس ولبنان، لقد بذلوا جهدا كبيرا وقدموا لنا عملا نفخر به. كان من المنصف لو أتيحت لهم الفرصة أن يشاهد عروضهم هذه المسؤولين وكبار المدعووين، صحيح أن كلمات المسؤولين أخذت وقتا ولا أعتقد بأن زيادة عشر دقائق أو أكثر ستقلل من مجرى هذا الحدث العظيم، بل كانت ستغني هذا العمل التراثي والثقافي العربي الهام.
لقد كانت الدعوة للإفتتاح الرسمي عامة وهذا شيء جميل، إلا أنه ترك الناس الذين زاد عددهم على سعة القاعة ينتظرون خارج المسرح لفترة قاربت الساعتين وهذا في الحقيقة يسيء للعمل برمته، وأعتقد أنه من المطلوب مستقبلا إيجاد مكان أوسع وأرحب للإحتفال القادم، حتى يتمكن أكبر عدد من أفراد الجاليات العربية من التواجد، كما يجب العمل على زيادة دعم قدرة المشاركين في هذا المهرجان والمهتمين بابراز تراث بلادهم، وذلك من خلال تصعيد مقدرتهم الفنية، وابراز ثقافتهم وتعريفها للمسؤولين والشعب الكيبيكي بخاصة، والثقافات المتعددة في كيبيك بعامة. أو توجه دعوات خاصة لحفل الإفتتاح تناسب حجم تناسب إمكانيات المسرح المتوفر، على أن يكون حفل الإفتتاح شاملا لكل المشاركين لتعم الفائدة، وحتى لا يغيب جهدهم عن أنظار المسؤولين، وكبار المدعووين.
لقد أصبح لزاما علينا كعرب نعيش في مونتريال خلق كيانات ثقافية وتراثية عربية محلية خاصة من أجيالنا الناشئة، لإنهم ثروتنا الثقافية، وأملنا في امتداد هذه الثقافة لكل الأجيال القادمة، وذلك من خلال النشاطات الثقافية والتراثية، والتمسك بثقافتنا العربية وتراثنا الأصيل، ومشاركة هذه الفئة العربية النيرة من الناشئة في كل حدث ثقافي، وتعويدهم على تحمل مسؤولية تراث بلادهم، وإنصافهم من خلال تسليط الضوء على هذه الإنجازات الرائعة. كل هذا سيساهم في خلق جالية ثقافية عربية متميزة وقادرة على التفوق والإبداع، لأن الشبيبة هم البوتقة التي تصهر نفسها وتتوهج من أجل أن يتوهج الوطن العربي في المهجر ضمن النشاطات الثقافية،في وطن الثقافات المتعددة.
وفي الختام أتقدم بالشكر للسيد جوزيف نخله رئيس المهرجان، ولكل أعضاء لجنة مهرجان العالم العربي، ولكل جالية عربية وغير عربية ساهمت في إغناء هذا البرنامج الثقافي الحافل، داعية للجميع بالتوفيق والسؤدد في نشر الثقافة العربية بالطريقة التي تليق بهذا التراث العربي الأصيل والعظيم.
مونتريال،
نوفمبر 2001
-----------------------------------------------------
ملاحظة: الرجاء من القائمين على صحيفة المستقبل إذا ارتأوا نشر هذا المقال أن لا يشطبوا صفتي الإعتبارية ككاتبة وصحفية ورئيسة بيت تراث العرب في كندا، كما حصل في المقال الذي نشر بصحيفتكم الغراء بتاريخ 13/10/2001، والمتعلق بانتخابات بلدية مونتريال مع الشكر.