Saturday, November 04, 2006

 

حبيبي البحر الأبيض المتوسط

حبيبي البحر الأبيض المتوسط

حبيبي البحر الأبيض المتوسط
أيا عمري ...أيا نفسي
تحملني أمواجئك الثلجية الهادئة حينا
والثائرة أحيانا كثيرة
تناديني تتخبط بي
وأمواجك تغويني
وترفعني وتسقطني في أعماق جوفك

ذراعاك الماردان
يقذفان بي هنا وهناك
تعانقني...وترويني
بقبلة ساخنة مع كل موجة صاعدة
ومع كل موجة عائدة الى جوف أعماقك
مع كل هدير موجة... أسمع همساتك
تضمني ثانية تعبث في وجهي ... وتبعثر شعري
وتقسو علي بقبلاتك
دون أن تعطيني فرصة لأخذ أنفاسي

اليك يا حبيبي... يا بحري الغالي
اليك رسالة شوق
أمانة تحملها... الى أحبائي
في يافا وفي حيفا وفي عكا
والى نخيل غزة الباسم على ثغرك

عندما أرمي جسدي في عالمك الساحر الجميل
روحي ترفرف كالطير الجريح
تنشد شواطئك الفلسطينية البعيدة
شوقي يسبقني هناك
مياهك الحانية
تبعث الدفء في جسدي المقرور
قهرا وولعا
استيقظ وشوقي هارب اليك
جسدي يرتعش بردا وخوفا
من المجهول
أو هلعا من المحتوم
حبك يؤججني ويسهدني
ليال انصت لصوتك الهادئ حينا
والثائر أغلب الأحيان

أحبك في صخبك
أحبك في هدوئك
احبك عندما تعلو أمواجك
ويهدر صوتك الغاضب
من فمك الثائر ... زيدا هادر

أعيش في غيبوبة لذيذة
يا لها من لحظات
يصعب على فراقك
بل لن أستطع ذلك
بعد أن تعودت عليك
آناء الليل والنهار
وفي كل صباح ومساء

لمستني بهواك
واحتويتني
وأنت تحمل لي كل يوم
باقة ورد وعقد من الياسمين
من يافا حيث ولدت بقربك
في شهر حزيراني يكثر فيه الناس من حولك
سأبقى حبيبتك الأبدية
لأن برجي نابع منك
ولآني أحبك..أحبك ..أحبك.

حبيبي البحر الأبيض المتوسط
تأسرني بحنانك
وترسل لي نفحات حبك
تحمل رائحة الفل وأعشاب البحر
وزهور الليمون والبرتقال
أشمك ولا أشبع من شمك
أضمك ولا أشبع من ضمك
أتعرف لماذا
لأنك تحمل رائحة بلادي
رائحة البحر والأرض والشجر

حبيبي البحر الأبيض المتوسط
لا أدري لماذا يخافك البعض
كل هذا الدفء ... كل هذا السحر
ويخافك البعض
انك بكل ما فيك رائع
انك سر الملهمين
وتحمل الخير والنعيم
الله ما أجملك... صنعك فأحسنك
أتصفح وجهك
وأهرع لنداء قلبك الدافئ

أيها البحر الأبيض المتوسط
ما أروعك... ما أجملك
جئت اليوم لأودعك
كنت أحلم أن أبقى بقربك
ساعات وأيام أخر
لكن ليس كل ما يتمنى المرئ يدركه

كنا نعيش بأمن وسلام
وفجأة جائنا مغصب لئيم
دفع إليك النساء والأطفال والشيوخ
ولكنك كنت بهم رحيم
ونقلتهم الى بر أمين
عندما خلعونا من ديارنا
منذ عشرات السنين
وعشنا في كل بقاع الأرض
في غربة واغتراب

وطني حبيبي
إقتلعونا من جذورنا
وعشنا بأجسادنا
في المخيمات
وفي الشتات
لكن أرواحنا بقيت هناك
تستنهض الهمم
بدحر الغاشم المحتل

وطني جبيبي
لا زلنا نتجرع آلام الفراق
بصبر لا صبر من بعده ولا من قبله
حتى مل الصبر من صبرنا
شعبي تحمل أقسى أنواع العذاب
وآلام يعجز عنها البشر
أحبك يا وطن

أحبك يا وطن
منذ أن كنت في حضن أمي
التي حملتنا هربا من شياطين الإحتلال
ودبابير السم وعصابات الموت
التي اغتصبت يافا
وحيفا وعكا
واللد والرملة وبيسان
وترشيحا والعباسية
وطبريه وقري الصبار والزيتون
والقدس الغربية ورامون
وكل شبر من أمنا فلسطين

أحبك يا وطن
منذ طفولتي وشبابي وحتى آخر رمق
من عمري
في كل يوم أحلم بلحظة حب
أقضيها معك
وفي كل يوم أزداد ولها وولعا بك
وخوفا عليك
وكلما أنظر اليك
أتوهج لهيبا واشتعالا
أخاف أن يتأجج لهيبي
أخاف أن أطفئه بين أحضانك
أخاف أن ينتقل اللهيب الى اللهيب
ونصبح روحين في واحد
ونفسين في واحد
ويتحد اللهبيان... رغم أننا بعيدان
أريد أن تبقى شامخا.. عاليا
هادرا مزمجرا
أريدك مرفوع الجبين
وأن تنقل رسالة حب الى أهلي
وأرضي وشعبي
أريدك هادرا تحطم متاريس عدوي
وحانيا تمسح جروح شعبي.... الصامد هناك
أريدك مرفوع الهامة تسمو الى الأعالي
تخاطب ربي وتدعو لنا بالخلاص
وبمزيد من الصبر والسلوان

حبيبي البحر الأبيض المتوسط
لا أريد أن أغويك
بلوثة حبي... وجنوني
حتى تبقى أنت
بهيا... ساطعا
أصبحت أتحاشى النظر اليك
واغلق أذني عن نداء هديرك الآتي
من بعيد
وفجأة لا استطيع صبرا على قهر روحي وحبي
يقتلني شوقي وبعدي
أرمي نفسي بين أحضانك
كجثة هامدة

وداعا أيها البحر الأبيض المتوسط
حزن العالم كله يسكنني
ويمص رحيق فؤادي
ويأخذني الى عالم جديد
لا حرب فية
ولا اقتتال
لا اغتصاب فيه ولا احتلال
عالم يسودة السلام
والأمن والوئام
وهدوء النفس... وراحة البال
وداعا أيها البحر الأبيض المتوسط
وداعا أيها المارد الجبار
وداعا يا معبودي... يا الهي
أركع على رمالك الذهبية
أنظر اليك بشغف وولع
أسبر أغوارك اللانهائية
أودعك الوداع الأخير
وأنا أرتجف... بين شيئين
اللذة والألم ... أرتعش وأشهد اللة
على حبي الأزلي
ينصهر جسدي مع رمالك الساخنة
يغلي ويفور
وتطفئ ناره بعد أن تتلقفه أمواجك الزبدية
تحتضنه بقوة وتشده لتخلعه من رمالك الساخنة
أتلاشى بين أحضانك
تجذبني بقوة الى أعماقك
تنهنهني وتمتص أحزان قلب
وتطبع قبلات محمومة على كل جزء من جسدي الفائر
تناجيني وتستجيب لجبروت حبي
وتصبح طوع بناني

وعندما أصحو
وأعود الى نفسي
الهث من نبضات قلبي
أنظر اليك مأخوذة بسحرك
لقد انقلب حالك
وأصبحت هادئا ساحرا منسابا شفافا ولامعا
لا صوت ولا زبد
بعد أن ارتوى وانتعش
كنت أتمنى ألا أصحو من غفوتي وأنت تنقلني
الى شطآن بلادي
وداعا حبيبي
وداعا يا بحري
والى لقاء أبدي .....
نوال حلاوه
كاتبة وصحفية
تونس صيف عام 1994

Comments: Post a Comment



<< Home

This page is powered by Blogger. Isn't yours?