Friday, October 13, 2006
50 degrees above and below zero
خمسون فوق الصفر خمسون تحت الصفر
نوال حلاوه
كاتبة وصحفية
عشت في عمرين
عمر فيه طفولتي وشبابي
وعمر صقلت فيه مواهبي
شتان بين العمربن
عمر ارتفعت فيه الحرارة إلي خمسين فوق الصفر
وعمر هبطت فيه الحرارة إلى خمسين تحت الصفر
خمسون فوق الصفر:
شمس حارقة لم ترحم طفولتنا
ورمل لاسع لم يرأف بأطراف أصابعنا
وبكل ما يلمس أجسادنا
في شهر حزيران وتموز وآب
في شهر حزيران وتموز وآب
حر يحرقني وبلهب وجهي العاري بلون الرمان
حر دافق فاقع كالجمر
في شهر حزيران وتموز وآب
يتصاعد بخار الأرض
ويلمع في وقت الظهيرة
الأسود في الشوارع العريضة
كسراب صحراوي يضيء من بعيد
يعكس ذبذبات متوهجة
وتموجات لامعة
تخدع العين برؤيا كاذبة
هذي بحيرة.. كلا أنها جدول صغير
بل هي بحر الخليج
في شهر حزيران وتموز وآب
حر ورطوبة وطوز
أسماء نعت بها والدي أشقاء
ولدوا في شهر حزيران وتموز وآب
في شهر حزيران وتموز وآب
تنزف وجوه تعبة
بعرق ساخن يمتزج بتراب الأرض
ويعجن في بيوت الطين ورصيف الأرض
في شهر حزيران وتموز وآب
يفيء عمال المباني وراصفي الشوارع
بظلال الحواري الضيقة
وتراب الأزقة المتلاصقة
بين بيوت الطين المعجونة بعرق الشمس
في تراب الأرض
يتظللون
في شهر حزيران وتموز وأب
تفيح رائحة الخبز والبصل والطماط1
من أفواه تسرق قيلولتها
لتسد رمقها
في شهر حزيران وتموز وآب
يكدح عمال بعيون غابرة
وقلوب راجفة
ونار موقدة
لفراق فلذات الأكباد
والزوجات والأحباب
عمال الأرض رخيصون
مستوردون من الهند وبنغلادش
وباكستان
مصبوغة أجسادهم بحرق الشمس
وملح الأرض
في شهر حزيران وتموز وآب
يموج البحر الساخن بأجساد مرهقة
وعندما تسقط الشمس في بطن البحر
تهب نسمات دافئة
على العيون المتعبة
والأجساد المنهكة
ويغرق الكل في غفوة تمتد وتمتد
في شهر حزيران وتموز وآب
يتصاعد المد في ليل البحر
ويعم الهدوء بحرا ساحرا
نائما ومعتما لولا ومضات قناديل الصيادين
وهسيس حشرات الليل والبحر
وفي الفجر
تصدح أغاني الصيادين.. بلحن حزين وتير
يتراجع المد خطوة... ثم خطوات
يترك بصماته...
تلمع عند شروق الفجر
دوائر رملية ملساء
كجلد حية رقطاء
يسحب الصيادون شباكهم
قبل أن يجرف الجزر صيدهم الثمين
من بحر عزيز كريم
الزبيدي والهامور والنجرور والروبيان2
يتعاونون يتسارعون قبل أن يسحب الجزر كنزهم اللذيذ
بعيدا... بعيد
إلى عمق بحر الخليج
ويبقى البحر والرمل
وظلال البيوت الطينية
ودفء المودة في الفريج3
وطيب الناس والجيران والنوم على السطوح
ومدفع الإفطار وأطفال الكركيعان4
والهريسة والباجلاء والنخي، والخبز المرقوق 5
والمسكوف والمتشبوس6
والتمن المشخول7
عنوان الكرم والطيبة
ورمز الحب والعطاء
في وطن الأمن والسلام
وحب الخير للإنسان
والجيران والأطفال
وأيام زمان
عندما كان الإنسان
يحب لأخيه كما يحبه لنفسه
ويكره لأخيه ما يكرهه لنفسه
هل يعود الحب حبا
والأمن أمنا وسلام
خمسون تحت الصفر:
في شهر يناير وفبراير ومارس
عواصف وثلج وسراب طويل
وصقيع واغتراب أليم
تقام المهرجانات
تشكيلات لأجساد ومجسمات
للطبيعة والإنسان
وبيوت ومزارات
مزارات ساحرة للمدن البيضاء
وفي المساء
تبث بصيص أنوار
يأخذني بانسياب ضوء الليل الخافت
في شهر يناير وفبراير ومارس
تتكون تلال الثلج
وعندما تشرق الشمس
يبدأ اللهو
يلهو به الأطفال ويتقاذفه الكبار
كرات ثلجية
تنزلق برفق.. تتفتت..تصيب هدفها
أو تتطاير في مهب الريح
في شهر يناير وفبراير ومارس
تضاء أنوار القناديل
ويتحول الأبيض المسكون بالبرد
إلى حرارة تشع منها ألوان الدفء
ويخيم جو روحي
وترتيل قدسي
وينمو الحب في الإنسان
في شهر يناير وفبراير ومارس
نعيش في بيوت الثلج والمباني التي تعانق السماء
نقبع في بيوتنا
دفئها....
ينسينا الأبيض بالأبيض
يغمر الأرض والسماء وكل الفراغات
أطنان من الثلج وصقيع في الأرض
وفي البيت أجسادنا ساخنة
وأرواحنا تعاني الصقيع
ووحشة المكان...
يتجول الدفء إلى مكان عملنا
مواصلاتنا... ومرافق حياتنا
في شهر يناير وفبراير ومارس
نتجول تحت الأرض
يسكننا البرد وصقيع النفس
أصاب بصدمة الافتراق
من خمسين فوق الصفر
إلى خمسين تحت الصفر
في شهر يناير وفبراير ومارس
نلتف مساء
حول مدفأة الحطب
تنتعش روحنا
برومانسية اللهب...
يتوهج الجمر
بلون الأرجوان.
يتأجج الحطب
يصبح جمرا...
نرمي بطرفه أكواز الذرة
وحبات الكستناء...
تفوح رائحة الشواء
يشيع الدفء والرضى
وننسى ما خلف النوافذ والأبواب من ضنى
في شهر يناير وفبراير ومارس
يتراكم الثلج في كل مكان
وتعتمر البيوت بعمامات بيضاء
وبتصاعد في السماء هبات ضباب
ودخان مراجل المدافيء السوداء
يرش العمال الشوارع والطرقات بالملح
ويبدأ الثلج في الذوبان
وتعود الحياة للإنسان
نشاهد تلالا وأكوامأ...
يتلوث الأبيض بعادم المركبات
نغوص في الشوارع الرمادية
ويختلط الحابل في النابل
في شهر يناير وفبراير ومارس
يتساقط الثلج على الأغصان العارية
ليشكل صور فنية رائعة
تتجمع الحبيبات... بلورية لامعة
وتشع الأغصان لآلاء مضيئة
وتنهمر... السماء عواصف ثلجية
وتنعق الصواعق
بعواصف... مدمرة
ويتدفق نبض القلب
ويسكن الناس في حضن البيت
ودفئه وحماه
وذكريات الوطن البعيد
وبعد أيام...
تسطع أشعة الشمس الدافئة
وتهدأ العاصفة
وفي صباح يوم هادئ قرير
تسجد الطبيعة
مخلوقات... بلورية مضيئة
لم ترى العين أجمل
وينبض القلب من جديد بحب جميل
وتحمد النفس الخاشعة المتعبدة
الهائمة بعشق ملكوت الله
التي خلقها وأحسن صنعها
في شهر يناير وفبراير ومارس
عشت قدري
من خمسين فوق الصفر
إلى خمسين تحت الصفر
في أرضي وشمسي ونهاري
هنا في غربتي
في وطن جمعني بأسرتي
في وطن أصبح واحتي
لم يطأه أبي وعشيرتي
لم يكن مسقط رأسي
ولم تلدني به أمي
عشت الوطن البديل
وطن ذكريات طفولتي
أولادي رضعوه حبا
قطرة .....قطرة...
وكانت الهجرة قدري
لم ترحم حبي وحنيني
وذكريات طفولتي وشبابي
ورغم مشاعر الأمن والسلام
يبقى الحنين ويتأجج الشوق
وتصبح الذكريات زادي وكنزي
كلما ازداد اغترابي
أغوص في أعماق ذاتي
أغرف منها ما يطفئ اشتياقي
وأجدد بها طاقاتي
وحنيني يفيض بي
يؤجج فؤادي
ويلهبني بمشاعر الألم العميق
وحبي لوطني العربي يزيد
عشت في عمرين بين فرقين
من خمسين فوق الصفر إلى خمسين تحت الصفر
مونتريال 13/7/2001
نوال حلاوه
كاتبة وصحفية
عشت في عمرين
عمر فيه طفولتي وشبابي
وعمر صقلت فيه مواهبي
شتان بين العمربن
عمر ارتفعت فيه الحرارة إلي خمسين فوق الصفر
وعمر هبطت فيه الحرارة إلى خمسين تحت الصفر
خمسون فوق الصفر:
شمس حارقة لم ترحم طفولتنا
ورمل لاسع لم يرأف بأطراف أصابعنا
وبكل ما يلمس أجسادنا
في شهر حزيران وتموز وآب
في شهر حزيران وتموز وآب
حر يحرقني وبلهب وجهي العاري بلون الرمان
حر دافق فاقع كالجمر
في شهر حزيران وتموز وآب
يتصاعد بخار الأرض
ويلمع في وقت الظهيرة
الأسود في الشوارع العريضة
كسراب صحراوي يضيء من بعيد
يعكس ذبذبات متوهجة
وتموجات لامعة
تخدع العين برؤيا كاذبة
هذي بحيرة.. كلا أنها جدول صغير
بل هي بحر الخليج
في شهر حزيران وتموز وآب
حر ورطوبة وطوز
أسماء نعت بها والدي أشقاء
ولدوا في شهر حزيران وتموز وآب
في شهر حزيران وتموز وآب
تنزف وجوه تعبة
بعرق ساخن يمتزج بتراب الأرض
ويعجن في بيوت الطين ورصيف الأرض
في شهر حزيران وتموز وآب
يفيء عمال المباني وراصفي الشوارع
بظلال الحواري الضيقة
وتراب الأزقة المتلاصقة
بين بيوت الطين المعجونة بعرق الشمس
في تراب الأرض
يتظللون
في شهر حزيران وتموز وأب
تفيح رائحة الخبز والبصل والطماط1
من أفواه تسرق قيلولتها
لتسد رمقها
في شهر حزيران وتموز وآب
يكدح عمال بعيون غابرة
وقلوب راجفة
ونار موقدة
لفراق فلذات الأكباد
والزوجات والأحباب
عمال الأرض رخيصون
مستوردون من الهند وبنغلادش
وباكستان
مصبوغة أجسادهم بحرق الشمس
وملح الأرض
في شهر حزيران وتموز وآب
يموج البحر الساخن بأجساد مرهقة
وعندما تسقط الشمس في بطن البحر
تهب نسمات دافئة
على العيون المتعبة
والأجساد المنهكة
ويغرق الكل في غفوة تمتد وتمتد
في شهر حزيران وتموز وآب
يتصاعد المد في ليل البحر
ويعم الهدوء بحرا ساحرا
نائما ومعتما لولا ومضات قناديل الصيادين
وهسيس حشرات الليل والبحر
وفي الفجر
تصدح أغاني الصيادين.. بلحن حزين وتير
يتراجع المد خطوة... ثم خطوات
يترك بصماته...
تلمع عند شروق الفجر
دوائر رملية ملساء
كجلد حية رقطاء
يسحب الصيادون شباكهم
قبل أن يجرف الجزر صيدهم الثمين
من بحر عزيز كريم
الزبيدي والهامور والنجرور والروبيان2
يتعاونون يتسارعون قبل أن يسحب الجزر كنزهم اللذيذ
بعيدا... بعيد
إلى عمق بحر الخليج
ويبقى البحر والرمل
وظلال البيوت الطينية
ودفء المودة في الفريج3
وطيب الناس والجيران والنوم على السطوح
ومدفع الإفطار وأطفال الكركيعان4
والهريسة والباجلاء والنخي، والخبز المرقوق 5
والمسكوف والمتشبوس6
والتمن المشخول7
عنوان الكرم والطيبة
ورمز الحب والعطاء
في وطن الأمن والسلام
وحب الخير للإنسان
والجيران والأطفال
وأيام زمان
عندما كان الإنسان
يحب لأخيه كما يحبه لنفسه
ويكره لأخيه ما يكرهه لنفسه
هل يعود الحب حبا
والأمن أمنا وسلام
خمسون تحت الصفر:
في شهر يناير وفبراير ومارس
عواصف وثلج وسراب طويل
وصقيع واغتراب أليم
تقام المهرجانات
تشكيلات لأجساد ومجسمات
للطبيعة والإنسان
وبيوت ومزارات
مزارات ساحرة للمدن البيضاء
وفي المساء
تبث بصيص أنوار
يأخذني بانسياب ضوء الليل الخافت
في شهر يناير وفبراير ومارس
تتكون تلال الثلج
وعندما تشرق الشمس
يبدأ اللهو
يلهو به الأطفال ويتقاذفه الكبار
كرات ثلجية
تنزلق برفق.. تتفتت..تصيب هدفها
أو تتطاير في مهب الريح
في شهر يناير وفبراير ومارس
تضاء أنوار القناديل
ويتحول الأبيض المسكون بالبرد
إلى حرارة تشع منها ألوان الدفء
ويخيم جو روحي
وترتيل قدسي
وينمو الحب في الإنسان
في شهر يناير وفبراير ومارس
نعيش في بيوت الثلج والمباني التي تعانق السماء
نقبع في بيوتنا
دفئها....
ينسينا الأبيض بالأبيض
يغمر الأرض والسماء وكل الفراغات
أطنان من الثلج وصقيع في الأرض
وفي البيت أجسادنا ساخنة
وأرواحنا تعاني الصقيع
ووحشة المكان...
يتجول الدفء إلى مكان عملنا
مواصلاتنا... ومرافق حياتنا
في شهر يناير وفبراير ومارس
نتجول تحت الأرض
يسكننا البرد وصقيع النفس
أصاب بصدمة الافتراق
من خمسين فوق الصفر
إلى خمسين تحت الصفر
في شهر يناير وفبراير ومارس
نلتف مساء
حول مدفأة الحطب
تنتعش روحنا
برومانسية اللهب...
يتوهج الجمر
بلون الأرجوان.
يتأجج الحطب
يصبح جمرا...
نرمي بطرفه أكواز الذرة
وحبات الكستناء...
تفوح رائحة الشواء
يشيع الدفء والرضى
وننسى ما خلف النوافذ والأبواب من ضنى
في شهر يناير وفبراير ومارس
يتراكم الثلج في كل مكان
وتعتمر البيوت بعمامات بيضاء
وبتصاعد في السماء هبات ضباب
ودخان مراجل المدافيء السوداء
يرش العمال الشوارع والطرقات بالملح
ويبدأ الثلج في الذوبان
وتعود الحياة للإنسان
نشاهد تلالا وأكوامأ...
يتلوث الأبيض بعادم المركبات
نغوص في الشوارع الرمادية
ويختلط الحابل في النابل
في شهر يناير وفبراير ومارس
يتساقط الثلج على الأغصان العارية
ليشكل صور فنية رائعة
تتجمع الحبيبات... بلورية لامعة
وتشع الأغصان لآلاء مضيئة
وتنهمر... السماء عواصف ثلجية
وتنعق الصواعق
بعواصف... مدمرة
ويتدفق نبض القلب
ويسكن الناس في حضن البيت
ودفئه وحماه
وذكريات الوطن البعيد
وبعد أيام...
تسطع أشعة الشمس الدافئة
وتهدأ العاصفة
وفي صباح يوم هادئ قرير
تسجد الطبيعة
مخلوقات... بلورية مضيئة
لم ترى العين أجمل
وينبض القلب من جديد بحب جميل
وتحمد النفس الخاشعة المتعبدة
الهائمة بعشق ملكوت الله
التي خلقها وأحسن صنعها
في شهر يناير وفبراير ومارس
عشت قدري
من خمسين فوق الصفر
إلى خمسين تحت الصفر
في أرضي وشمسي ونهاري
هنا في غربتي
في وطن جمعني بأسرتي
في وطن أصبح واحتي
لم يطأه أبي وعشيرتي
لم يكن مسقط رأسي
ولم تلدني به أمي
عشت الوطن البديل
وطن ذكريات طفولتي
أولادي رضعوه حبا
قطرة .....قطرة...
وكانت الهجرة قدري
لم ترحم حبي وحنيني
وذكريات طفولتي وشبابي
ورغم مشاعر الأمن والسلام
يبقى الحنين ويتأجج الشوق
وتصبح الذكريات زادي وكنزي
كلما ازداد اغترابي
أغوص في أعماق ذاتي
أغرف منها ما يطفئ اشتياقي
وأجدد بها طاقاتي
وحنيني يفيض بي
يؤجج فؤادي
ويلهبني بمشاعر الألم العميق
وحبي لوطني العربي يزيد
عشت في عمرين بين فرقين
من خمسين فوق الصفر إلى خمسين تحت الصفر
مونتريال 13/7/2001